عرض المقال
الذقن إعجاز علمى وعجز سياسى
2013-02-22 الجمعه
الإسلام دين عظيم يحمل عبئاً على كتفيه تنوء بحمله الجبال اسمه المسلمون! الإسلام دين راسخ لا يتسول اعترافاً من أجانب حتى ولو كانوا بدرجة بروفيسير ولكننا، نحن المسلمين، فى ذروة إحساسنا بالدونية والمهانة نصرّ على أن نتسول الاعتراف، ونؤكد على التميز الذى ميدانه العلم الحقيقى وليس مجاله الأناشيد ومؤتمرات الإعجاز، رددت هذه الكلمات وأنا أقرأ مندهشاً الاحتفاء الشديد فى وسائل الإعلام المصرية والعربية بخبر البحث البريطانى الذى يقول إن اللحية تحمى من الأشعة الضارة على الجلد، وبالطبع بدأ التصفيق والتهليل، ها هو الإعجاز العلمى وها هو الغرب الكافر يكتشف أخيراً صدق إعجازنا العلمى! والحقيقة أن محاولتنا الدائبة المزمنة للتأكيد والقسم كل يوم وكل ساعة: «والله إحنا كويسين، ونصوصنا الدينية فيها الفيزيا والكيميا والبيولوجى» هى محاولات فى منتهى الخطورة على الدين قبل العلم، وقد أضفنا لهذا البعد الإعجازى غرضاً سياسياً، فبعد ثورات الربيع العربى وسيطرة تيار الإسلام السياسى على مقاليد السلطة بحث الإعجازيون عن غطاء علمى ودرع طبى لسيطرة الذقون على الحكم، وعندما وجدوا هذا البحث سرعان ما كبروا قائلين «الله أكبر، لقد ظهر الحق، وها هى الذقن تحمل إعجازاً علمياً سيجلب البركة لبلادكم»! وهنا لى بعض الملاحظات لتوضيح خطورة هذا المسلك، وأوصى كل من يحب دينه فعلاً ويود أن يدافع عنه أن يكف عن ترديد مثل هذه الأفكار الإعجازية المتعسفة فى الربط ما بين الدين المطلق والعلم النسبى والتى لا تصمد لأى نقاش منطقى.
هذا البحث تم تقديمه فى 2011 وليس جديداً كما يقولون، وهذه ملاحظة هامشية لتوضيح أن هناك من ينقب فى السراديب لتبييض وجه حكامنا ذوى الذقون فيصبحون بركة سياسية وعلمية أيضاً وهذا هو الرابط
http: //rpd.oxfordjournals.org/content/150/3/278.abstract
أما المهم، والذى يوضح نية مروجى هذا الخبر والمهتمين به على أنه غزوة علمية، هو أن عنوانه الأصلى «الحماية من الأشعة بواسطة اللحية والشنب»! وتم بالطبع حذف الشنب عمداً فى كل الأخبار لأن تجار الإعجاز العلمى يعرفون جيداً أنهم لكى يربطوا ما بين الحديث والإعجاز العلمى لا بد أن يتخلصوا أولاً من مسألة قص وحف الشارب ويبرزوا فقط إعفاء اللحية، والإعفاء فى حد ذاته يشترك فيه كل رجال الدين فى كل الديانات، ولو كان الأمر بطول اللحية لأصبح بابا نويل أكثر البشر إيماناً وإعجازاً وصحة أيضاً! وتيار الإسلام السياسى الذى يتبنى اللحية كرمز دينى لا يريد الاعتراف بالغرض الوقتى الذى قيل لتبرير اللحية فى ذاك الوقت وهى مخالفة المشركين، ووقتها لم يذكر النبى عليه الصلاة والسلام فى حديثه أى كلام عن الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، لم يطلب النبى من المسلمين أن يحنطوا عقولهم ويوقفوا ساعاتهم عند طب وزراعة واقتصاد زمنه بل طالبهم بإعمال العقل والتفكير، وكان يذكّرهم بأنهم أعلم بشئون دنياهم! ولكننا لأننا نفكر بالتمنى ونعيش أحلام اليقظة نروج دائماً على أننا الأفضل والأسبق والأعظم، وقد تكرر دائماً من رجال دين مسلمين معتبرين وليسوا صهاينة أو ملحدين أن أمر اللحية هذا أمر عادة وليس أمراً شرعياً، وكما قال الشيخ شلتوت «والحَقُّ أن أمر اللباس والهيئات الشخصية -ومنها حلق اللحية- من العادات التى ينبغى أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان شىء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما أَلِف الناس فيها شذوذاً عن البيئة»، ومثله الشيخ محمد أبوزهرة فى كتابه: «أصول الفقه»، حيث اختار أن إطلاق اللحية من أمور العادات وليس من قبيل الشرعيات. إذن الأمر ليس خطاً مرسوماً ما بين إيمان وكفر على الإطلاق، إذن هذا التعسف فى الربط العلمى يجعل من يطلع على البحث ويكتشف هذا الإخفاء المتعمد من جانب وكالة الأنباء والذى يُعتبر تدليساً على القارئ، يجعله متشككاً فى الدين والعلم أيضاً، وهذه هى الخطورة التى أشرت إليها، والمصيبة أن هذا الشجار الدينى الذى يستخدم العلم يؤجج الفتن ولا يخدم أى دين على الإطلاق، فمن الممكن والسهل جداً أن تجدوا أبحاثاً علمية عن فائدة القليل من الكحوليات والخمور على شرايين القلب، وأن المشكلة والخطورة الصحية هى فى السكر والإدمان! وتجد أبحاثاً تساوى بين لحم البقر والخنزير من ناحية وجود دودة شريطية فى كل منهما! هل ساعتها يصرخ من يكتب ويروج للخبر من نشوة الانتصار؟ بالطبع لا، لا يوجد فى العالم الآن من يعانى من هذا المرض إلا نحن العرب المسلمين، نبحث وننقب فى النصوص الساكنة فى الكتب القديمة عما ينقذ ماء وجهنا ويثبت أننا علماء، ولا ننقب ونبحث فى المكان الحقيقى للبحث وهو المعمل، وهو أرض الواقع، هذه هى القراءة الحقيقية التى ستجعلنا مشاركين فى قطار الحضارة لا معطلين له، متطفلين عليه، راكبين على سطحه بدون تذاكر.